الدفاع عن أوكرانيا في تلك اللحظة الفارقة
اندلعت حرب كبرى في أوروبا، وهي حرب اختارها الرئيس بوتين. وفي مختلف أنحاء أوكرانيا، نرى العنف والدمار اللذين تسببت بهما القوات العسكرية الروسية، بما في ذلك الهجمات الصاروخية على أهداف مدنية. لقي المئات حتفهم، فيما تشير تقديرات الأمم المتحدة إلى فرار أكثر من 600 ألف شخص من العنف، مع توقع ارتفاع الأعداد.
لقد حاولنا لأشهر عدّة تجنُّب هذه الحرب واتّباع مسار الدبلوماسية. لكن بوتين كذب على جميع من التقاهم، متظاهرًا بأنَّه مهتم بالتوصل إلى حل سلمي. وعوضًا عن ذلك، اختار شنّ غزو واسع النطاق وحرب متكاملة.
لقد استخف بأوكرانيا. فبعدما اعتبر هوية أوكرانيا مزورة وحكومتها غير شرعية، لم يتوقع أن يقاتل الأوكرانيون ببسالة ذودًا عن بلادهم، ولا القيادة الملهمة لرئيسهم زيلينسكي. وقد اعتبر أن الاتحاد الأوروبي سيتردّد وأن الغرب سينقسم، أو سيدلي ببعض التصريحات وليس أكثر. غير أننا بدلاً من ذلك أظهرنا وحدة واتخذنا خطوات ملموسة وصارمة. كما اعتمد بوتين على الحصول على دعم دولي من زملائه من الرجال الأقوياء، وأمل في أن يتغاضى كثيرون عن الأمر.
بيد أنّه قاد بلاده إلى عزلة متنامية. فلم تكتفِ غالبية البلدان بإدانة الغزو الروسي، بل جرى نقل نهائي دوري أبطال أوروبا من سان بطرسبرغ إلى باريس؛ وأُلغيت الجائزة الكبرى للفورمولا 1 في روسيا؛ وعلق الاتحادان الدولي والأوروبي لكرة القدم مشاركة روسيا في المسابقات الدولية، ولم يعد بوتين الرئيس الفخري للاتحاد الدولي للجودو، وطُرِدَت روسيا من مسابقة يوروفيجن للأغنية.
بعد خمسة أيام من الحرب، فإن أوكرانيا تمكنت حتى الآن من إبطاء الهجوم الروسي. وقد فعلت ذلك رغم العدد الهائل من القوات الروسية والتكتيكات المتصاعدة الشائنة التي اختارها بوتين، بما في ذلك الهجمات على المناطق السكنية في مدن مثل خاركيف.
وفي الوقت عينه، نرى الآلاف من الروس الشجعان يُعتقلون لمشاركتهم في احتجاجات هادئة من أجل السلام وضد الهجوم غير المبرر على أوكرانيا. ويتحدث العديد من الفنانين والرياضيين وقادة الأعمال ضد الحرب. ونحن نعلم أن الكرملين ليس روسيا وأن خيارات بوتين ليست خيارات الشعب الروسي.
إنّ هدفنا واضح، نحن نريد أن نتأكد من فشل حرب بوتين. لذلك نعمل من دون توقف على مسارات مختلفة:
- التواصل الدبلوماسي: دعم أوكرانيا وعزل روسيا
منذ بداية الحرب، عملنا على حشد تحالف دولي ضخم لدعم أوكرانيا وإدانة أعمال روسيا. ومن اللافت للنظر أن العديد من الحكومات والمنظمات الإقليمية من مختلف أنحاء العالم أدانت العدوان الروسي، من قادة الاتحاد الأفريقي إلى القادة في مختلف أنحاء أميركا اللاتينية وآسيا. فهم مثلنا يرفضون عالمًا تهاجم فيه دول كبرى دولاً مجاورة أصغر وحيث يسود منطق القوة.
وفي مجلس الأمن الدولي، صوتت 11 دولة من أصل 15 لصالح إدانة واضحة للاعتداءات، مع امتناع ثلاث دول فقط عن التصويت (الصين والهند والإمارات العربية المتحدة)، مما أجبر روسيا على استخدام حق النقض. وستتمثل الخطوة التالية بالتصويت في الجمعية العامة للأمم المتحدة؛ حيث نتوقع أن تجاهر الأغلبية الساحقة بوضوح بأنّ روسيا تنتهك السيادة الأوكرانية والمبادئ المكرّسة في ميثاق الأمم المتحدة.
وفي مجلس حقوق الإنسان في جنيف، أعرب الاتحاد الأوروبي وشركاؤه عن سخطهم الموحد إزاء انتهاكات روسيا الصارخة لحقوق الإنسان.
- فرض عقوبات جديدة من الاتحاد الأوروبي: بشأن نظام سويفت، والمصرف المركزي الروسي، والقلة المتنفذة في روسيا، وإغلاق المجال الجوي، وحظر وكالة سبوتنيك وقناة روسيا اليوم
لقد اعتمدنا عقوبات صارمة استهدفت قطاعات المال والطاقة والنقل، وفرضنا قيودًا على السلع ذات الاستخدام المزدوج. وباتت قائمة الأفراد الروس الذين تم فرض عقوبات عليهم تضم الآن الرئيس بوتين ووزير الخارجية لافروف، فضلاً عن كبار أعضاء الطبقة الأوليغارشية، وشخصيات سياسية وعسكرية، والقائمين على الدعاية الذين يتحملون مسؤوليات عن العدوان. وتضم قامة العقوبات ما مجموعه 680 فردًا، وأشخاصًا رفيعي المستوى، وأعضاء في مجلس الدوما، وأعضاء في مجلس الأمن الروسي، فضلاً عن 53 كيانًا. كما نوسِّع نطاق أنظمة العقوبات لتشمل استهداف الفساد والتلاعب بالمعلومات والتدخل الخارجي.
إلى ذلك، فصلنا أهم المصارف الروسية عن نظام سويفت وجمدنا كل المعاملات مع المصرف المركزي الروسي. وأدى هذا إلى هبوط الروبل بنحو 30%، فأغلقت البورصة الروسية وضاعف المصرف المركزي أسعار الفائدة لتجنب انهيار كامل للاقتصاد الروسي.
وفي جميع العقوبات التي فرضناها، بما في ذلك الأكثر صرامة مثل تلك المفروضة على نظام سويفت والمصرف المركزي الروسي، ننسِّق بشكل وثيق مع الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وكندا وغيرها. بالإضافة إلى ذلك، أعلنت سويسرا أنها ستتبنى العقوبات نفسها التي يفرضها الاتحاد الأوروبي، بما في ذلك العقوبات في المجال المالي بشكل خاص.
وأغلقت كل الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي مجالها الجوي أمام جميع الطائرات الروسية، بما في ذلك الطائرات التابعة للطبقة الأوليغارشية، وكذلك فعلت كندا، الأمر الذي جعل من المستحيل مغادرة روسيا جوًا باتجاه الغرب أو الشمال. وعليه أُلغي ما نسبته 65% من الرحلات الجوية من مطارات موسكو.
ونحن مستمرون في مكافحة آلة التضليل التي يستخدمها الكرملين وفي كشف أكاذيبه وتلاعبه. وقد اتخذنا الآن الخطوة الحاسمة لمنع وكالة سبوتنيك وقناة روسيا اليوم من بث دعايتهما في الاتحاد الأوروبي. كما نريد أن تتحمل منصات التواصل الاجتماعي مسؤوليتها للوقوف في وجه التضليل الذي يمارسه الكرملين.
- زيادة الدعم لأوكرانيا، بما في ذلك المساعدة العسكرية المباشرة
بما أن هذه حرب شاملة وأن لأوكرانيا كل الحق في الدفاع عن نفسها، يتعين علينا أن ندعمها بالوسائل التي تحتاج إليها للدفاع عن النفس. لذلك قررنا استخدام آلية السلام الأوروبية لتوفير معدات أسلحة فتّاكة بقيمة 450 مليون يورو، وإمدادات غير فتّاكة بنحو 50 مليون يورو (مثل الوقود ومعدات الحماية). وستكون هذه التدابير متلائمة تمامًا مع القرارات الوطنية التي اتخذتها دول الاتحاد الأوروبي. وهذه هي المرة الأولى على الإطلاق التي يقدم فيها الاتحاد الأوروبي معدات عسكرية فتّاكة لدولة تتعرض لهجوم. وقد ناقشتُ مع وزراء دفاع الاتحاد الأوروبي طريقة تنفيذ هذه التدابير في أسرع وقت ممكن، باستخدام هيئة الأركان العسكرية التابعة للاتحاد الأوروبي كمركز لتبادل المعلومات وبولندا كمركز لوجستي.
نحن نعلم أن الجبهة السيبرانية حاسمة. لذلك قمنا بتنشيط فرق الاستجابة السريعة السيبرانية لمشروع "بيسكو" PESCO))، وتعمل المفوضية الأوروبية على توفير المعدات والبرمجيات وغيرها من أشكال المساعدة لتعزيز قدرة أوكرانيا على الصمود والمرونة في المجال السيبراني.
وهناك العديد من نقاط القوة الأخرى في الاستجابة العامة للاتحاد الأوروبي. نحن نزيد من الضغوط على بيلاروسيا لتورطها في الهجوم الروسي. كما نعمل على توسيع نطاق دعمنا لمولدوفا التي تتحمل العواقب المترتبة على الحرب، والتي سأسافر إليها يوم الأربعاء للتأكيد على التزام الاتحاد الأوروبي.
الصحوة الجيوسياسية للاتحاد الأوروبي
شكّل الهجوم الشائن الذي شنته روسيا على أوكرانيا صدمة كبيرة، فأرسل موجات عبر القارة وخارجها، إذ إنّه يخلق عالمًا ينشأ فيه خطر حلول شريعة الغاب مكان النظام الدولي القائم على القواعد.
نحن لا نعرف متى وكيف سينتهي الصراع. ولكن هذا الأسبوع يمكن أن نشهد الميلاد المتأخر لأوروبا الجيوسياسية. وهذا ما نتحدث عنه منذ سنوات، أي وحدة الهدف واستخدام كل الأدوات والوسائل المتاحة لدعم أهدافها السياسية.
ففي الأيام الأخيرة، تصرفنا بسرعة كبيرة وكسرنا محرمات عديدة. وبوسعنا أن نقول إن التقدم الذي حققناه في غضون أسبوع أكثر مما تم على مدى عقود من المناقشات. وكل هذا يثبت أنه عند حدوث أزمة، يجتمع الأوروبيون ويعتمدون على الإرادة الجماعية للدفاع عن قيمهم ومصالحهم ضد الهجمات. ولا يقتصر الوقوف مع أوكرانيا على الكلام فحسب، بل هو بالفعل أيضًا. ونحن مستعدون لدفع ثمن باهظ إذا لزم الأمر.
نحن نريد أن تعود روسيا إلى المنطق بما يعيد ترسيخ السلام في أوكرانيا والقارة الأوروبية. ولكي نصل إلى هذا الهدف، ينتظرنا مسار طويل وصعب. وبالتأكيد، فإن هذا الأسبوع قد أحدث تغييرًا هائلاً في تاريخ أوروبا.
MORE FROM THE BLOG
“A Window on the World” – by HR/VP Josep Borrell
Blog by Josep Borrell on his activities and European foreign policy. You can also find here interviews, op-eds, selected speeches and videos.